السَّلام الدَّائم واتحاد الأديان
محمّد مسعد ياقوت
حفظ الله مصر وشعبها ورئيسها الرئيس عبد الفتاح السيسي
مدخل
السلام الدائم: فكرة أخلاقية وروحية وسياسية تدعو إلى اعتراف متبادل، تعاون إنساني، وحماية مشاعر العبادة لدى الجميع. فيما يلي نص مُنظّم لمبادئ ورسائل حول الأرض، الإيمان، التعايش، ووثيقة إبراهيميّة كمقترح لبناء أرضيَّة مشتركة للعيش والسلام.
1. الأرض ليست حكرًا لأحد
الأرض للبشرية جمعاء. القرآن بيّن ذلك بقوله: «وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ». الموارد الطبيعية — ماءً وهواءً ونباتًا — خُلقت متاحة للجميع دون تمييز. حينما تكون الأرض لكلِّ الناس تصبح دار سلام ومأمنًا ومتاعًا مشتركًا.
2. الطبيعة متنوعة ومتغيرة
الظواهر والموارد متنوعة، لكنها متاحة لجميع الناس بلا استئثار. من النهر الواحد يرتوي البيض والسوداني والجنوب والشمال على حدٍّ سواء. التعايش ضرورة على كوكبٍ متنوّع وغير مستقر.
3. الإله واحد
أغلبية البشر يؤمنون بخالق واحد. إن كان المصدر واحدًا، فالمنطق يدعو إلى وحدةٍ إنسانيّة ولو على مستوى الاعتراف بوجود إله واحد. من هنا ينبع مبدأ «نحن واحد».
4. الحق في الوجود
لا يمكن نفي حق شعوب عاشت آلاف السنين في بقعة ما. التقدم التقني والديموغرافي يفرضان على القادة إدراك ضرورة التعايش وإلا اصطدمت البشرية بعواقبٍ مدمّرة. الفطرة الاجتماعية للإنسان تميل طبيعيًا إلى التعايش.
5. القياس المنطقي
القياس المنطقي يثبت أن لكل طائفة حق الوجود: كل البشر لهم حق الوجود، إذًا كل طائفة أو شعب هم بشر ولهم نفس الحق.
6. الفضيلة والسعادة
الفضيلة هي إطار الأخلاق الذي يقود إلى معنى الحياة والسعادة. جميع الأنبياء والفلاسفة اتفقوا أن التعايش السلمي طريق إلى السعادة، لأن الصراع يولّد البؤس.
7. العقيدة الجامعة
العقيدة الحقيقية تجمع الإنسانية ولا تفرّقها. نصوص الأديان تشير إلى وحدة المصدر الإلهي، ولذا فالتعايش هو الأصل ولا بد من السعي لوثيقة تُجسّد هذه القواسم المشتركة.
8. التعاون من أجل البقاء
الموارد المشتركة تتطلب إدارة عقلانية (المشاع). أمثلة عملية: تنظيم الصيد في موانئ مثل الغردقة بحيث يتوقف الصيد يومًا للحصول على استدامة، أو تقسيم مراعي لتفادي الإفراط والرعي المدمر.
9. المسؤولية الأخلاقية الأممية
الإنسان مسؤول أخلاقيًا عن الأرض والآخرين. لذلك ينبغي تشريعات دولية وحقوق إنسانية تحفظ الكرامة وتسهّل تبادل العلوم والفنون بين الشعوب لإعلاء الحسّ الأخلاقي.
10. علة الوجود
الغاية من خلق الإنسان: إعمار الأرض، تطهير النفس، وعبادة الخالق. التعايش بين البشر وسيلة لتحقيق هذه الغاية، والانحراف عنها هو فساد وسفك دم.
11. هل تبقى الأرض لأحد؟
التاريخ يثبت أن الأرض لا تبقى لأمة واحدة إلى الأبد؛ سقوط دول وحضارات عبر التاريخ دليل. الواقع المعاش (الحالية) أقوى من ادعاءات الماضي في حكم الأمور الراهنة.
12. موقف عبد الحميد التاريخي
قضية رفض السلطان عبد الحميد لطلب اليهود الاستيطان التاريخي تبيّن تعقيدات القرار السياسي آنذاك. النص يقدّم قراءة تاريخية مسألة رفضه وإمكانية تعامل مختلف مع مقدمات التاريخ.
13. المرجعية التاريخية والحالية
مفهوم «أرض الأجداد» سائل ويُستخدم من كل طرف. المرجعية الواقعية (الحالية) تفرض قراءة عقلانية: الواقع القائم الآن يتطلب سياسات تُبنى على الحاضر لا على مطالب الماضي التي قد تثير صراعات أكبر.
14. الاعتراف بوجود الآخر
إنكار وجود شعبٍ قائم في الواقع هو إلغاء لواقعه. قيام دولة إسرائيل شكّل صدمة لدى الوعي الجمعي العربي لخصائصها: ضخامة، مفاجئة، عازلة، وشعور بعدم وجود حل. ميكانيزمات دفاعية ناجمة عن ذلك كانت «عدم الاعتراف» ثم «المقاطعة».
15. القبلية والبعدية
الادعاءات التاريخية ببقاء الأسباط أو ممالك قديمة ليست بالضرورة حجة كافية لحكم الحاضر؛ الواقع القائم يظل المعيار الفعلي في إدارة العلاقات الدولية.
16. اتحاد الأديان (وثيقة إبراهيمية)
بما أن أركان الأديان الإبراهيمية تتقاسم الكثير من المبادئ (التوحيد، الفضيلة، الرحمة)، فاقتراح وثيقة إبراهيميّة توحّد القواسم المشتركة وتهيئ أرضية للتعايش وحرية العبادة للفِرق الثلاثة (اليهود، المسيحيون، المسلمون) أمرٌ عملي وممكن.
أهداف الوثيقة الإبراهيمية المقترحة:
-
إيقاف الصراع وفتح آفاق الحوار.
-
حماية حرية العبادة في الأماكن المقدسة.
-
إنشاء مؤسسات دينية مشتركة وجامعات للتكامل بين الأجيال.
-
تعزيز مفاهيم التسامح والإنصاف والبرّ والقسط.
17. سنة التدافع أم سنة التعايش؟
القرآن يذكر مبدأ «الدفاع» أو «الدفع» ليمنع الفساد لا ليشجّع الحروب، والنصوص تحثّ على الميل إلى السلم إن جنحوا له. الأصل هو التعايش، والتدافع المنشود هو دفع الفساد وإعادة الأمور إلى نصابها لا العدوان المتكرر.
18. الإنصاف كمرجعية
الاختلاف سمة بشرية ويجب أن يقود إلى تكامل لا تباغض. النصوص الدينية تدعو إلى العدل والإنصاف حتى مع المختلفين، وتهذّب الدعوة إلى العفو والصفح عند الضرورة.
19. التعايش والتطبيع
التعايش يعني دخول البيوت، الزواج، العمل المشترك، المشاركة الاجتماعية والاقتصادية. النصوص الدينية (مثال: «طعام أهل الكتاب حلال لكم») تشجّع على الانفتاح العملي والرسمي الذي يقود للتعايش المنتج.
20. الإبراهيمية كمحور مشترك
الإبراهيمية هي ما اتفقت عليه الأديان السماوية: قيم العدالة، الرحمة، التوحيد، والفضيلة. وثيقة إبراهيميّة رسمية يمكن أن تشكّل أساسًا لوحدة فعلية بين أتباع الديانات.
21. الوطن الحقيقي والعولمة
الوطن الحقيقي هو المكان الذي يوفر معنى واحتياجات الفرد. مع تزايد العولمة وتكاثر المدن متعددة الجنسيات، ستتبدَّد الحدود الصارمة ويزداد امتزاج الشعوب، ما يجعل الانغلاق الجغرافي أقل واقعية وأكثر تكلفة على الأفراد.
22. العالم كشركة كبيرة
التقدّم الاقتصادي والتكنولوجي سيزيد من قوة الشركات العابرة للقارات، وقد تتغيّر موازين القوة المالية والسياسية. هذا يدعو إلى تنظيم عالمي جديد للتعامل مع التحولات الاقتصادية والعملة والمصالح العابرة للدول.
خاتمة موجزة
التعايش والسلام الدائم ليسا ضربًا من المثالية البعيدة، بل ضرورة إنسانية وعقلانية في عصرٍ تُضاعف فيه التكنولوجيا قدرات الدمار والخلق معًا. بناء أرضٍ مشتركة، وثيقة إبراهيميّة، وإطار قانوني وأخلاقي يُمكّن حرية العبادة ويُؤمّن الموارد للجميع هو الطريق الأنجع لنجاة الأجيال القادمة.