Edit Content

من نحن

حزب الرخاء هو حزب سياسي مصري يسعى إلى بناء دولة حديثة قائمة على الحرية والمواطنة وسيادة القانون. ينطلق الحزب من رؤية تهدف إلى أن تصبح مصر ضمن أفضل عشر دول في العالم من حيث التقدم والرخاء والعدالة الاجتماعية.
يرتكز الحزب على مبادئ الديمقراطية، واحترام حقوق الإنسان، والفصل بين السلطات، ودعم الاقتصاد الحر القائم على الابتكار وريادة الأعمال. ويؤمن الحزب بأن قوة الدولة تبدأ من تعزيز الحريات، وتحقيق المساواة بين جميع المواطنين، وتوفير مناخ سياسي شفاف يشارك فيه الجميع دون تمييز.

يعمل حزب الرخاء على تقديم برنامج شامل يجمع بين الحداثة السياسية، والسلام الاجتماعي، والنهضة الاقتصادية، بهدف بناء وطن قوي قادر على تحقيق طموحات شعبه وصناعة مستقبل يليق بمكانة مصر وتاريخها.

اتصل بنا

 العقل الإرهابي والفراغ الوجودي

العقل الإرهابي والفراغ الوجودي

محمد مسعد ياقوت – 08/05/2024


مقدمة

كثيرًا ما يتساءل الإعلاميون والمحققون في وكالات الاستخبارات:
ما الذي يدفع شابًا يافعًا لتفجير نفسه وسط تجمع بشري؟
ما الذي يجعل شخصًا يختطف طائرة ويصطدم بها عمدًا بمبنى مكتظ كما حدث في 11 سبتمبر؟
كيف يتحول شابٌ عادي إلى مشروع موت مجاني؟

هذه قراءة نفسية واجتماعية لعقل متوتر، تشكّل عبر صدمات، وفراغ وجودي، وسياقات فكرية مغلقة، تبني داخل الفرد ديناميّات تسمح له بتدمير نفسه والآخرين.


1. ملاحظة من داخل المعتقل

خلال فترة اعتقالي، لاحظت نماذج من العناصر التكفيرية: شُبّانًا ومسنين، يطلقون أحكام الكفر على من حولهم بمن فيهم من يصلّون معه من الطبق نفسه.
بعد كل إعلان تكفير، كان وجه الواحد منهم يهدأ، يأكل وجبته، وينام مرتاحًا.

هذا النمط كان متلازمة نفسية:

يمارس التكفير ليهدأ داخليًا.
إنه تفريغ انفعالي، آلية دفاع، مخرج لتوترٍ مزمن.

وكل متلازمة لها أصل صادم في الماضي.


2. البداية: صدمة ثم فراغ ثم انحراف

شاب متفوق في الجامعة، يحصل على تقديرات عالية، يتوقع التعيين… ثم تأتي صدمة:
لا وظيفة، لا مستقبل، لا قيمة.

حينها يبدأ السؤال الوجودي:
لماذا كل هذا الظلم؟
لماذا أعيش هنا؟
ما معنى الحياة؟
بداية الفراغ الوجودي… وهذه أخطر مرحلة في عمر الإنسان.

في لحظة هشاشة داخلية، يظهر له “الدعاة المتشددون”، فيعرضون عليه “الأجوبة الجاهزة”:

  • العالم دار ظلم.

  • الآخرة خير وأبقى.

  • إن قتلت نفسك في سبيل الله ذهبت مباشرة للخلود والسعادة.

  • تعال إلى جماعتنا… هنا الراحة… هنا اليقين.

يصلي معهم، فيتذوق لحظة سلام عابرة، ومعها الخلطة الكاملة:
إيمان صوفي مؤقت + خطاب عدائي + وعود بالخلاص
لتبدأ الصيغة المتطرفة بالتشكل.


3. من الفراغ إلى التكفير

رحلة التحول داخل العقل المتطرف تمر بخطوات واضحة:

  1. المجتمع غير مؤمن.

  2. الحاكم كافر.

  3. كل من لا يكفّر الحاكم كافر.

  4. كل من لا يهاجر إلى “دار الإسلام” فاسق أو مرتد.

  5. إذن: قتاله واجب، أو الهجرة منه واجبة.

بعدها يصبح العنف “مَعبرًا” إلى الجنة، ويصبح الموت “الحل النهائي”.


4. نماذج من السلوك التكفيري – من داخل السجن

• التحريم الانتقائي للأكل

أحدهم حرّم أكل لحوم السجن لأنها “ذبائح كفار”، ثم أكله يومًا ما، فسألته: لماذا؟
قال: “اضطرار… الضرورات تبيح المحظورات.”

يستخدم النص الديني كأنما هو قطعة بلاستيكية يشكلها وفق حاجته النفسية.

• سرقة الطعام

سرق أحدهم طعامي وقال: “مال الكافر مباح!”

• أكل طعامي دون إذن

رجل كلفته بعمل، فإذا به يفتح علبة زبادي ضمن متاعي ويأكلها.
سألته: كيف؟
قال: “العبد يأكل من مال سيده بالمعروف.”

هكذا يتحول الدين إلى أداة تبرير لسلوك عدواني، لأنه بنى حكمًا داخليًا:

أنت كافر… إذن أنا فوقك.


5. ملامح تكوينية للعقل المتطرف

من خلال الملاحظة اليومية، ظهرت سمات مشتركة:

  • غالبهم من مؤهلات متوسطة أو دون تعليم.

  • غالبهم من القرى والأطراف لا المدن.

  • نسبة كبيرة منهم عاطلون عن العمل.

  • تكفيرهم لأقرب الناس إليهم أشد من تكفيرهم للغرباء.

  • يستخدمون النصوص الدينية كأشرطة جاهزة.

  • لديهم انفصال شعوري تام عن الآخر.

  • وجههم جامد، بلا انفعالات إنسانية واضحة.

  • يفسّرون الصمت بارتياب، والكلمة باشتباه.

إنه تشوه إدراكي كامل، وليس مجرد اختلاف ديني.


6. الفراغ الوجودي — أصل الكارثة

فيكتور فرانكل، في كتابه “العلاج بالمعنى”، يشير إلى أن:

لحظة الانحراف الجذري تولد دائمًا من الفراغ الوجودي:
الملل، والبؤس من جدوى الحياة، والشعور بانعدام القيمة.

وهكذا:

  • إن كان الشخص يائسًا، يصبح مستعدًا لأي خلاص سريع.

  • وإن وجد خطابًا دينيًا متشددًا، يصبح التطرف “علاجًا سريعًا”.

  • وإن وجد خطابًا أدبيًا أو فنيًا، يصبح الشعر والسهر والهروب تعويضًا آخر.

لكن حين يتزامن الفراغ مع الخطاب العدائي، تنشأ العقلية الديمانية:
رافضة للآخر، مستبيحة لدمه وماله وعرضه.


7. المجتمع في نظر العقل الإرهابي

يُنشئ الإرهابي تصورًا ثابتًا:

  • المجتمع فاسق أو كافر.

  • الناس يتبعون “الطاغوت”.

  • هم وحدهم “أنصار الله”.

  • نصحهم واجب، لكن نصحك لهم مرفوض.

  • أحكامهم عليك نهائية مهما فعلت.

إنه منطق الاستعلاء الروحي:
أنا فوق – أنت تحت
وبالتالي:
الكذب عليك مباح، سرقتك مباحة، اغتيابك مباح، إيذاؤك مباح.

هذا ليس دينًا… بل مرض نفسي مغذّى بخطاب ديني مضلل.


خاتمة

العقل الإرهابي لا يولد إرهابيًا، بل يُصنع:

  • من صدمة.

  • من فراغ وجودي.

  • من عزلة.

  • من خطاب مغلق.

  • من بيئة غير قادرة على احتواء الأسئلة.

  • ومن فكرة واحدة خادعة: “أنا وحدي على الحق.”

مواجهة الإرهاب ليست مواجهة جسدية فقط، بل مواجهة فكرية ونفسية ضد الفراغ الذي يتكوّن فيه.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *